2014-02-09

حرب البوسنة والهرسك

زدرافكو توليمير، رئيس الاستخبارات ومعاون وثيق للقائد العسكري الصربي البوسني راتكو ميلاديتش        
 
حكمت محكمة جرائم حرب يوغوسلافيا على الجنرال الصربي البوسني زدرافكو توليمير بالسجن مدى الحياة لدوره في مذبحة سربرنيتسا عام 1995، أخطر الفظائع التي شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وقال قضاة الأمم المتحدة الأربعاء إن توليمير البالغ من العمر 64 عاما- وهو رئيس الاستخبارات ومعاون وثيق للقائد العسكري الصربي البوسني راتكو ملاديتش- خطط وأشرف على قتل 8000 من الرجال والفتيان المسلمين بعد اجتياح سربرنيتسا في يوليو 1995.
وكانت المذبحة جزءا من حملة تطهير عرقي نفذها الصرب القوميون الذين كانوا يهدفون إلى إقامة دولة للصرب في البوسنة، عن طريق إبعاد كل المسلمين والكروات في الإقليم المتعدد الأعراق، وأودت الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995 بحياة 100 ألف شخص.
وقال القاضي كريستوف فلاج عند قراءة الحكم في المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها "كانت الجرائم على نطاق واسع وضارية في شدتها ومدمرة في آثارها".
وأضاف أن توليمير كان مقربا من ملاديتش ويشير إليه الشهود بوصفه "ساعده الأيمن وعينيه وأذنيه".
وأدانت المحكمة توليمير بالإبادة الجماعية والتآمر لارتكاب إبادة جماعية وانتهاكات لقوانين الحروب وأعرافها وجرائم في حق الإنسانية، منها القتل والاضطهاد والإبادة العرقية.
وقد اعتقل في يونيو 2007 على الحدود بين صربيا وجمهورية صرب البوسنة، ويعتقد خبراء أمنيون أنه ساعد ملاديتش في التهرب من الاعتقال حتى ذلك الوقت.
واعتقل ملاديتش في نهاية المطاف في صربيا العام الماضي، بعد أن ظل هاربا 16 عاما ويحاكم حاليا في لاهاي لدوره في مذبحة سربرنيتسا وجرائم حرب مزعومة أخرى.

كراجيتش: بذلت ما بوسعي لتجنب الحرب


أكد رادوفان كراجيتش الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة الثلاثاء لدى بدء عرض حجج الدفاع أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، أنه بذل كل ما بوسعه "لتجنب الحرب".

وقال كراجيتش بهدوء: "لا يجدر اتهامي بل مكافأتي على كل الأعمال الحسنة التي قمت بها. بذلت كل ما يمكن لإنسان القيام به لتجنب الحرب والحد من المعاناة البشرية".
وأضاف أمام المحكمة في لاهاي: "لم يخطر لأحد أن إبادة ستحصل في البوسنة"، مشددا على أنه رجل "لطيف ومتسامح ويتمتع بقدرة كبيرة على تفهم الآخرين".
ويلاحق كراجيتش (67 عاما) بتهمة الإبادة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995 التي قتل خلالها 100 ألف شخص.
ويلاحق أيضا في مذبحة سريبرينيتسا شرق البوسنة التي ذهب ضحيتها حوالي ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم في يوليو 1995، في أسوأ مجزرة ترتكب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وبحسب القرار الاتهامي فقد حاول كراجيتش "أن يطرد إلى الأبد مسلمي وكروات البوسنة من الأراضي التي طالب بها صرب البوسنة".
ولكن كراجيتش أكد أمام المحكمة أنه كان "صارما مع نفسه ومع الآخرين لإرساء السلطة الديمقراطية".
وخصص القضاة لكراجيتش 300 ساعة للدفاع عن نفسه وفترة زمنية مماثلة للادعاء، وهو يعتزم استدعاء 300 شاهد.


مدعي عام محكمة يوغوسلافيا يتهم صربيا بحماية مجرمي الحرب
محاولات لاستخراج شهادة وفاة وهمية لراتكو ميلاديتش

راتكو ميلاديتش
اتهم المدعي العام لمحكمة يوغوسلافيا السابقة فى لاهاي سيرجي براميرتز، أمس، صربيا بحماية المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم التصفيات العرقية، مؤكدا أن حكومة بلجراد لم تفعل الكثير للقبض على القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ميلاديتش الهارب منذ 15 عاما، كما لم تقدم بلجراد الموارد المالية أو البشرية اللازمة لملاحقة هذا المتهم واعتقاله وتسليمه للمحكمة لمحاكمته على المذبحة التي ارتكبها في حق المسلمين عقب سقوط جيب سيربنتشيا في يوليو عام 1995، وهي المذبحة التي راح ضحيتها 8 آلاف مسلم، تم عزلهم وقتلهم بصورة جماعية على يد الصرب تحت قيادة المتهم.
وأكد المدعي البلجيكي بيراميتز أن هناك أدلة حول المكان الذى يختبئ به ميلاديتش، وأن هناك فارقا كبيرا بين التصريحات السياسية لصربيا، وبين الجهود الفعلية، وعلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ممارسة الضغوط على صربيا من أجل التعاون مع المحكمة، مشيرا إلى التقائه مؤخرا مع 100 من أمهات ضحايا سيبرنتشيا، وتأكد أن وقوع هذه المذبحة منذ 15 عاما لا تعني لديهم جريمة مضى وقتها، بل تعني ضرورة القصاص من مرتكبيها، مشيرا إلى وجود محاولات من أسرة ميلاديتش باستخراج شهادة وفاة له، تحت زعم أنه لم يعد موجودا ومجهول المكان، وحال إخراج مثل هذه الشهادة، لن يمكن القبض عليه، وستسقط حقوق الضحايا.
وفي ردة فعل سريعة، أعلن الاتحاد الأوروبي ببروكسل، أن اتفاق شراكة التجارة مع صربيا يمكن تعليقه فى أي لحظة، حال عدم استجابتها للتعاون مع المحكمة فى لاهاي، ولوحت أيضا بعملية ضم صربيا لعضوية الاتحاد، مؤكدا فى ذات الوقت أن الاتحاد يمكنه تقديم أكثر من مكافأة لصربيا حال تعاونها، منها إضعاف مشروع قرار بالأمم المتحدة يتعلق باستقلال إقليم كوسوفو عن الجسد الأم صربيا.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها المدعي العام لمحكمة يوغوسلافيا السابقة حكومة صربيا مباشرة بالتقاعس والعمل على حماية مجرمي الحرب.

كذب الشهود في المحاكـم الدوليّة 3/5
 

تواريخ ومسافات كاذبة تحت قوس المحكـمة

الاستعانة بشهود الحصر (alibi) في المحاكم الناظرة في القضايا الجنائية تعدّ من أبرز عناصر القوة لدى فريق الدفاع، وبالتالي فإن المستفيد الأساسي من تعطيلها عبر كذب الشهود بشأن تحديد التواريخ والمسافات هو المدعي العام. تدلّ مراجعة لجلسات المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون ورواندا على أن الكذب بهذا الشأن لم يكن استثناءً
إعداد: محرر الشؤون القضائية
تعدّ إفادات الشهود بشأن تحديد التواريخ بالغة الأهمية في القضايا الجنائية. يعود ذلك لسببين، أولاً، إن عدم تحديد التواريخ بشكل صحيح يساعد على تقويم صدقية الشاهد. ثانياً، إن تحديد التواريخ بدقة يتيح للدفاع تقديم الأدلة التي قد تكشف عدم وقوع الحدث. أما عدمه فيصعّب الاستعانة بشهود الحصر (alibi) الذين قد يقدمون بيانات تثبت أن المتهم كان بعيداً عن مكان وقوع الفعل المسند إليه.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا قد اتهمت الفريد موسيما بالضلوع في جرائم وقعت في مغارة نياكومومو عام 1994. لكن موسيما ادعى البراءة وأكد أن لديه شهود حصر (alibi) مستعدون للإدلاء بإفادات تثبت أنه كان بعيداً عن نياكومومو خلال الفترة الممتدة بين 30 أيار و10 حزيران 1994. لكن المحكمة الدولية رفضت إفادات شهود الحصر لأن «شهود» الادعاء لم يحددوا موعداً دقيقاً لوقوع الجريمة في نياكومومو، بل اكتفوا بالقول إنها وقعت «خلال أواخر أيار ومطلع حزيران».
في المحكمة الجنائية الدولية لسيراليون، سأل المحامي أبيبولا مانلي سباين (دفاعاً عن المتهم سانتيجي كانو) أحد «الشهود» المقنعين: «هل تعلم إذا حصل ذلك خلال عام 1999 أو خلال عام 2000؟ 1999 أو 2000؟». وجاء جواب الشاهد على النحو الآتي: «هذه الأشياء... أنا لا أفهم هذه الأشياء. عندما تقول لي 1990 أنا لا أفهم. أنا لا أقول حتى الشهور، أنا لا أفهم سوى الأرقام. أنا فعلاً لا أفهم شيئاً». (محضر جلسة 8 نيسان 2005 للنظر في قضية اتهام بريما وكامارا وكانو).
لكن بعض «الشهود» المقنعين في المحاكم الدولية قدّموا إجابات بشأن التواريخ ومنهم «الشاهد» المقنع رقم TF1-277 الذي أصرّ على أن بعض الأحداث وقعت يوم الاثنين 22 كانون الاول 1998 حتى بعدما أوضح فريق الدفاع أن 22 كانون الأول 1998 هو يوم ثلاثاء. (جلسة 8 آذار 2005 قضية AFRC). المحامي ميتزغر (دفاعاً عن المتهم بريما) سأله:
■ «قلت لنا إن هذه الأحداث وقعت يوم الاثنين 22 كانون الأول 1998. هل هذا صحيح؟ هل هذا مثبت؟
«الشاهد» TF1-277: نعم.
■ ميتزغر: أول شيء قلته هو أنك سمعت بأن المتمردين آتون الى لومبا في هذا اليوم، وبالتالي قرّرت مغادرة لومبا إلى واترلو، هل هذا صحيح؟
TF1-277: نعم، أكيد.
■ ميتزغر: حضرة الشاهد، أنت حدّدت التاريخ بيوم الاثنين 22 كانون الأول 1998. لماذا هذا التحديد الدقيق؟
TF1-277: لأن هذا التاريخ لن أنساه أبداً. لن أنساه لأن المنزل الذي كنا نحتمي فيه أحرق ولن أنسى.
■ ميتزغر: حددت أن ذلك حصل يوم الاثنين؟
TF1-277: نعم. نعم.
■ ميتزغر: هل ستفاجأ، حضرة الشاهد، إذا القيت نظرة على الروزنامة لتكتشف أن يوم 22 كانون الأول لم يكن يوم الاثنين؟ هل يفاجئك ذلك؟
TF1-277: ماذا؟ كان يوم الاثنين لأن يوم الثلاثاء كان 23 حين ذهبنا الى لومبا. وأنت تقول إنه لم يكن يوم الاثنين...
■ ميتزغر: أنت تقول يا حضرة الشاهد إن...
TF1-277: الأمر متروك لك بأن تقرّر.
■ ميتزغر: أنت تقول يا حضرة الشاهد إنني على خطأ وإنك على صواب. هذا هو دليلك، أليس كذلك؟
TF1-277: نعم.
■ ميتزغر: أنا أقترح، وسيثبت المحضر بأن 22 كانون الأول 1998 كان يوم ثلاثاء، ويوم 23 كانون الأول 1998 كان يا حضرة الشاهد يوم أربعاء. ماذا تقول؟
TF1-277: إن الأشخاص الذين حضروا كانوا مثقفين، وجلسنا معاً. وكنا معاً عندما وقعت الحادثة وكان ذلك يوم الاثنين حين غادرنا وذهبنا الى واترلو وعدنا صباح يوم الثلاثاء الى رومبا.
■ ميتزغر: حضرة الشاهد، ألا توافقني بأن المثقف وغير المثقف لا يمكنه تغيير أيام الأسبوع؟
TF1-277: نعم، أكيد. بعض الأشخاص ينسون. إن العقل ليس دائم الدقة، وفي بعض الأحيان يعجز العقل.
■ ميتزغر: حضرة الشاهد، نحن نتحدث عنك وعن إفادتك. أليس كذلك؟ أنت تقول إن 22 كانون الأول 1998 كان يوم الاثنين؟
TF1-277: هذا ما أذكره. هذا ما أذكره.
■ ميتزغر: وهل ما زلت تذكر هذا؟
TF1-277: نعم ما زلت أذكر أن 22 كانون الأول 1998 كان يوم الاثنين».
أما «الشاهدة» المقنعة رقم TF1-085 التي استند إليها الادعاء لاتهام اليكس بيرما في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون، فسألتها المحامية غلينا تومسون:
■ «... ذكرتِ للادعاء أن المتمردين حضروا الى منزلك يوم 5 كانون الثاني عام 1999، أليس كذلك؟
«الشاهدة» TF1-085: نعم.
■ تومسون: أنت تذكرين 1999؟
TF1-085: نعم.
■ تومسون: قلت إن المتمردين حضروا الى منزلك يوم الخميس 5 كانون الثاني 1999. هل تذكرين؟
TF1-085: نعم.
■ تومسون: هل ذكرتِ لهم أن المتمردين حضروا الى منزلك يوم 6 كانون الثاني؟
TF1-085: نعم.
■ تومسون: أيهما التاريخ الصحيح؟
TF1-085: حضروا الى منزلنا يوم 5 وقبضوا عليّ يوم 6.
■ تومسون: حسناً. هل أنت متأكدة من أن يوم 5 كانون الثاني هو يوم الخميس؟
TF1-085: نعم.
■ تومسون: هل يفاجئك أن يوم 5 كانون الثاني 1999 هو يوم ثلاثاء؟».
وطلبت تومسون من قضاة المحكمة العودة الى الصفحة الرقم 6456 من محضر تحقيق مكتب المدعي العام، حيث ورد أن الشاهدة أفادت بالآتي: «حضر المتمردون الى منزلنا صباح يوم 7 كانون الثاني الساعة التاسعة صباحاً» لا يوم 5 كانون الثاني (محضر جلسة 7 نيسان 2005 في قضية اتهام بريما وكامارا وكانو).
«سي جي ام» شاهد مقنّع آخر لصالح الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أقر أمام قضاتها بأن حدثاً ما وقع «الشهر الماضي»، مؤكداً أن ذلك يعني مطلع شهر حزيران، مضيفاً «لأننا حالياً في شهر حزيران». فتدخل القاضي ليصحح الأمر قائلاً «نحن الآن في شهر أيلول». (محضر جلسة 15 أيلول 2003 قضية اتهام نديندا باهيزي). أما الشاهد عمر سيروشاغو فكان قد ذكر في إفادته الى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا بأن «العقيد روينديي كان حاضراً في اجتماعين عقدا لفرق الموت عامي 1993 و1994». بينما قدّم الدفاع أدلة واضحة تؤكد أن العقيد روينديي توفي عام 1990. وعلى رغم أن سيروشاغو رفض أدلة الدفاع، أقرّ بأن العقيد مات أواخر عام 1992، وغيّر إفادته مدعياً أن الاجتماعين عقدا عامي 1992 و1993. (جلسة 27 تشرين الثاني 2001 في قضية اتهام ناهيمانا).
لا تقتصر المعلومات غير الصحيحة التي يدلي بها الشهود في المحاكم الدولية على تحديد التواريخ، بل تشمل كذلك تحديد المسافات. سأل القاضي سيبوتيندي في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون «الشاهد» المقنع رقم TF1-024:
■ «إذا نظرت الى حجم هذه القاعة، هل بإمكانك القول إن المطبخ (المكان الذي ادعى «الشاهد» أنه مسرح جرائم) هو بالحجم نفسه؟
الشاهد TF1-024: كلا، إنها طويلة لكن ليست عريضة. أطول من هذه القاعة. ومربّعة.
■ القاضي: تقول إن مساحة المطبخ تساوي نصف مساحة هذه القاعة؟
TF1-024: هذه القاعة أوسع بقليل من المطبخ.
■ القاضي: بأيّ قدر كان المطبخ أصغر من هذه القاعة؟ هل كان المطبخ بنصف حجم هذه القاعة؟
TF1-024: النصف، بالضبط النصف.
■ القاضي: هل كان المطبخ يساوي ربع مساحة هذه القاعة؟
TF1-024: الربع تقريباً، نعم». (محضر جلسة 8 آذار 2005 للنظر في قضية اتهام بريما).

استجواب الشهود في محكمة الحريري
يختلف نظام المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين (المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان) عن أنظمة المحاكم الدولية الأخرى لجهة تسلسل الإجراءات خلال جلسات استجواب الشهود، حيث منح القاضي رئيس الغرفة صلاحية استجواب الشاهد قبل غيره، أي قبل الادعاء والدفاع. إذ جاء في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنه «ما لم تقرر الدائرة الابتدائية خلاف ذلك لمصلحة العدالة، يبدأ استجواب الشهود بأسئلة يطرحها القاضي الذي يرأس الجلسة، تعقبها أسئلة يطرحها أعضاء الدائرة الآخرون، والمدعي العام، والدفاع» (الفقرة الثانية من المادة 20). أما قواعد الإجراءات والإثبات فحددت أنه «بعد الاستماع الى التصريحات التمهيدية للفريقين أو أي متضرّر مشارك في الإجراءات، يُستجوب كلّ شاهد أوّلاً من قبل القاضي رئيس الغرفة وأي عضو آخر من الغرفة، ثم من قبل الفريق الذي استدعى الشاهد. ويخضع بعدها لاستجواب مضاد من الفريق الآخر إذا اختار هذا الفريق ممارسة حقه في الاستجواب المضاد. للفريق الذي استدعى الشاهد أن يعيد استجوابه» (الفقرة ألف من المادة 145).
لكن بعد مراجعة بعض أداء القاضي البريطاني في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والإشارات التي تضمنتها عن سعيه إلى التدخل لحماية صدقية «الشهود» الذين استند الادعاء العام الدولي الى أقوالهم، قد توفر إجراءات المحكمة الخاصة بلبنان هامشاً واسعاً لانحياز القضاة، وخصوصاً في ظلّ غياب المتهمين مقابل حضور «المتضررين».

تدخل القاضي لحماية شهود الادعاء

استدعي «الشاهد» زوران ليليتش الذي كان رئيساً ليوغوسلافيا من عام 1993 حتى عام 1997 في المحكمة الدولية. عدّ ليليتش أبرز شهود الادعاء في القضية بحكم موقعه.
سأله ميلوسيفيتش عن العلاقة بين عدد اللاجئين في كوسوفو وقصف حلف شمالي الأطلسي (ناتو) على هذه المنطقة ومحيطها فأجاب:
«قبل بدء قصف الناتو، كان عدد اللاجئين في مقدونيا وألبانيا يصل الى 35 ألف لاجئ. وبعد قصف الناتو، وبحسب أرقام المفوضية العليا للاجئين، وهي ليست أرقامنا، ارتفع عدد اللاجئين الى 780 ألفاً.
ميلوسيفيتش: لم يكن واضحاً وضوح الشمس أن هؤلاء لم يلتجئوا من العمليات الصربية ولم تكن هناك عمليات ترحيل...
القاضي ريتشارد ماي: حسناً، أنا لست متأكداً إذا كان بإمكان هذا الشاهد الإجابة عن ذلك. هو لم يكن هناك خلال هذه الفترة. هذه قضية حساسة يجب أن تحسمها المحكمة، ورأيه بشأنها قد لا يساعد على ذلك.
ميلوسيفيتش: سيد ماي، أنا لا أسأله عن رأيه بل عن معلومات كانت متوافرة لديه بحكم منصبه آنذاك نائباً لرئيس الوزراء.
القاضي ماي: لا يمكنه أن يقول. لا يمكنه أن يتناول الوقائع. لا يمكنه قول ما حصل... يمكنه فقط التحدث بشأن تقارير كانت بحوزته، وهذا ما فعله وهذه قضية حساسة. لا يمكنه القول من معرفته الشخصية ما الذي أدى الى تهجير الألبان. وكما قلت هذه قضية علينا أن نقرر بشأنها.
■ ميلوسيفيتش: حسناً. هل لديك معلومات عن أسباب تهجير الألبان؟
القاضي ماي: لا، لن أسمح بذلك السؤال.
ميلوسيفيتش: سيد ماي، يبدو أنه مسموح لك توجيه أسئلة الى شهود سمعوا بشكل غامض أو شاهدوا شيئاً في قرية بوسنية، بينما لا يمكن توجيه أسئلة الى رئيس ونائب رئيس وزراء سابق ليوغوسلافيا الذي يمكنه الإجابة...».
أما بشأن الاتهامات التي وجهها الادعاء الى ميلوسيفيتش بارتكاب جرائم إبادة وخصوصاً في سريبرينيتشا، فقد قدّم جيفري نايس من مكتب المدعي العام مرافعة أشار فيها الى الفقرة 117 من إفادة ليليتش وسأل:
■ «بعد سقوط سريبرينيتشا، ولدى اكتشاف تفاصيل المجزرة ماذا كانت ردة فعل المتهم (ميلوسيفيتش)؟
«الشاهد» ليليتش: أعلم أنه كان مصدوماً بعمق وغاضب. وبدا لي مستاءً بصدق وقال لي: إذا كانت القادة في منطقة بال قد أمروا بذلك، فهم مختلون عقلياً. أنا متأكد أنه لم يعط أمراً بذلك...
المدعي العام: أنت تعرف بالطبع أن هناك وقائع في قرار الاتهام، لكنني لن اعترض على تعبيرك عن رأيك...».
وفي الجلسة نفسها، سأل ميلوسيفيتش:
«سيد ليليتش، كنت تريد أن تتحدث عن سريبرينيشا، لكن السيد نايس (المدعي العام) قاطعك. أنا أطلب منك أن...
القاضي ماي: هذا ليس عادلاً. لم يقاطعه، بل سمح للشاهد بأن يقدم وجهة نظره، لكنها مجرّد وجهة نظر. إنه عبّر عن رأيه. فما أشار إليه السيد نايس عن حق... ما أشار إليه السيد نايس بحقّ هو أن ما قاله الشاهد هو مجرّد رأي وأن الحسم بهذه المسألة يعود للمحكمة. نعم. ميلوسيفيتش: سيد ماي، برأيي هذا ليس صحيحاً لأن الموضوع لا يتعلّق برأي السيد ليليتش، بل بمعرفته بحكم موقعه. فهذا الشاهد يختلف عن الشهود الآخرين الذين استدعاهم الادعاء سابقاً.
القاضي ماي: حسناً، يمكنك توجيه الأسئلة الى الشاهد بشأن معرفته بهذه المسألة طبعاً.
■ ميلوسيفيتش: هل يمكنك أن تجيب عن سؤالي: ماذا كنت تعلم بشأن هذه القضية (سريبرينيتشا)؟ وماذا كانت القيادة الصربية بهذا الشأن؟ ماذا كانت تعلم القيادة اليوغوسلافية؟ فما حصل في هذا المكان كان أمراً محزناً ودراماتيكياً. أنا لا أسألك عن رأيك لأن الآراء غير مسموحة كما ترى، أنا أسألك فقط عن معرفتك بالوقائع.
ليليتش: ما أعرفه شرحته لكم. قلت لكم إنه لا أحد في القيادة السياسية اليوغوسلافية أعطى أوامر بهذا الشأن ولم نعلم شيئاً عن القضية. وتحدثت عن مشاعري بشأن هذه الأحداث التراجيدية عندما التقيتك بعد مرور بضعة أيام وقلت إنك كنت غاضباً وحزيناً. وتبين لي أنك لم تكن ضالعاً في ذلك على الإطلاق».
استدعي «الشاهد» الكسندر فاسيليفيتش الرئيس السابق للمخابرات العسكرية في يوغوسلافيا. وكان فاسيليفيتش قد أفاد للادعاء بأن ميلوسيفيتش كان قد أرسل مجموعات عسكرية الى كرواتيا وإلى البوسنة. سأله ميلوسيفيتش:
■ «أنت قلت إنه في مدينة سيد كانت هناك مجموعات قتالية لم يعرف من أرسلها. أليس كذلك؟
«الشاهد» فاسيليفيتش: نعم بشأن معسكرات التدريب.
■ ميلوسيفيتش: حسناً. ألم يسعَ كل حزب معارض الى تشكيل وحدات من المتطوعين؟
فاسيليفيتش: هذا ما فعلوه للتنافس على وطنيتهم.
■ ميلوسيفيتش: صحيح. فعلت ذلك أحزاب المعارضة، أليس كذلك؟
فاسيليفيتش: لقد قلت ذلك في إفادتي المكتوبة إضافة الى الشرطة...
ميلوسيفيتش: سنتحدث عن ذلك بعد لحظات، لكن أجب عن هذا أولاً: ألم يكن تشكيل المجموعات القتالية محصوراً بالمعارضة وذلك بهدف الانقلاب عليّ وعلى حكومتي في 9 آذار 1991 وخلال السنوات العشر التي تلت؟
القاضي ماي: لحظة. ما هو السؤال؟
■ ميلوسيفيتش: إذا كانت هذه المجموعات قد أنشأتها الشرطة، وأنت تقول إن الشرطة كانت بإمرتي، هذا يعني أن الشرطة كانت ضدّي. أما إذا لم تكن الشرطة ضدّي، فما تقوله غير صحيح. أليس كذلك يا جنرال؟
فاسيليفيتش: كلا.
■ ميلوسيفيتش: أنت تدّعي أن الشرطة كانت تؤلف مجموعات قتالية قاتلت ضدّ الحكومة السابقة وضدي كرئيس سابق؟ الشرطة التابعة للنظام السابق نفسه؟
القاضي ماي: لحظة، دع الشاهد يجيب عن هذا السؤال ويوضّح، ومن ثم سنرفع الجلسة.
فاسيليفيتش: سأجيب. لم أدّعِ أن الوحدات القتالية التابعة للمعارضة كانت قد أنشأتها الشرطة.
ميلوسيفيتش: إذاً أنت لا تدعي...
القاضي ماي: دع الشاهد يجيب ولا تقاطعه.
ميلوسيفيتش: اعتقدت أنه قال ذلك، فإذا تراجع نكون قد انتهينا».
وبينما كانت تنعقد الجلسات التي تخللها كذب الشهود المقنعين وغير المقنعين، أذنت المحكمة للادعاء بإدخال تعديلات على قرار الاتهام. وفي النسخة المعدلة من القرار لم يُتهم ميلوسيفيتش بجرائم إبادة في كوسوفو، بل بقتل نحو 730 ألبانياً في كوسوفو، مقابل اتهامه المسبق بإبادة 100 ألف ألباني أو 44 ألفاً بحسب الأمم المتحدة أو 11 ألفاً، وهو الرقم الذي احتسب رسمياً بعد نهاية حرب كوسوفو.

استئصال «أساس الشرّ»؟
بثّت وسائل الإعلام الدولية صور نقل الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش إلى سجن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في لاهاي (في حزيران 2001). وكانت إدانته قضائياً أكيدة ومحسومة بالنسبة إلى «الرأي العام» وما يسمّى «المجتمع الدولي»، قبل بدء جلسات المحاكمة، تماماً كما هي حال حزب الله (وقبله سوريا) الذي كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد اتهمت أربعة من رجاله بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الفرق أن مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا تمكنوا من الإفلات من قبضة المدعي العام الدولي، بينما عجز ميلوسيفيتش عن ذلك ومات في ظروف غامضة في سجن سخيفنينغن عام 2006. جاك بول كلاين هو أحد المفاوضين الدوليين خلال حروب البلقان، وتحوّل في ما بعد إلى مساعد في المساعي الدولية للقبض على الأشخاص المطلوبين من المحكمة الدولية بجرائم حرب. عبّر كلاين عمّا كان يدور في أذهان الكثيرين عندما بدأ عمل المحكمة الدولية: «إن أول ما نقوم به هو العمل الدبلوماسي، أي الحوار والتفاوض والبحث عن القواسم المشتركة، وكل ما يتطلّبه تجنّب العنف، لكن يأتي وقت ونلتقي بشخص مضطرب العقل لا يفهم أياً من الأعمال الدبلوماسية. فبالنسبة إليه كل مساومة من قبلنا هي علامة ضعف، وبالتالي هو يندفع إلى مزيد من التشدّد. ونحن بحاجة إلى طبيب جراح، نحن بحاجة إلى استخدام القوة، نحن بحاجة إلى جرّاح لديه بين 30 و40 ذراعاً، وإذا بتر جيداً وبنظافة يمكنه التقليل من أضرار الجلد والأعصاب والعضلات ومن ثم يشفى المريض. أما إذا دخلنا في جدل حول هوية الطبيب الجراح، وأية وسائل طبية سيستخدم، ومَن سيكون طبيب البنج وأين ستجرى العملية، سيلتهب الجرح وسيموت المريض (...). إن ميلوسيفيتش مضطرب العقل... وهو أساس الشرّ». لكن المحكمة الدولية عجزت عن إثبات المسؤولية الجنائية لميلوسيفيتش.


كذب الشهود في المحاكـم الدوليّة 2/5

صناعة «شهود» بواسطة آلية حمايتـهم
 
 
يعرض الادعاء العام في المحاكم الدولية اغراءات على «الشهود» بحجة حمايتهم، فيُمنح «الشاهد» هوية جديدة في دولة متحضّرة وراتباً ومكان اقامة وغيرها من المخصصات التي يسعى كلّ مواطن في دولة متخلّفة مثل يوغوسلافيا السابقة أو سييراليون أو لبنان الى الحصول عليها. في هذه الحلقة نموذج افادة «شاهد» يخضع لبرنامج حماية الشهود
إعداد: محرر الشؤون القضائية
قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين (المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان) دنيال فرانسين حدّد أخيراً يوم 25 آذار 2013 موعداً أولياً لانطلاق جلسات المحاكمة الغيابية لأربعة رجال منتسبين الى حزب الله، اتهمهم المدعي العام السابق دنيال بلمار بالضلوع في الجريمة. وإضافة الى داتا الاتصالات التي كان الرئيس الاول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس قد بدأ بجمعها، يستند اتهام الرجال الأربعة الى افادات شهود يخضعون حالياً لبرنامج حماية يخفي هويتهم الحقيقية ويمنحهم حوافز ومغريات. في النصّ الآتي نعرض نموذجاً عن استجواب شاهد من شهود البرنامج الخاص بحمايتهم في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
في 15 أيار 2002 استدعى الادعاء العام شاهداً مقنّعاً عُدّ من الشهود المقربين من القيادة الصربية ومن ميلوسيفيتش. وبالتالي، خضع هذا الشاهد لبرنامج حماية الشهود. واكتشف لاحقاً بأن الشاهد هو السياسي الصربي راديمير تانيتش.
راهن فريق الادعاء على أنه سيتمكن، من خلال افادات تانيتش، اثبات تورّط ميلوسيفيتش في جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت في كوسوفو. قال تانيتش للمحكمة إن ميلوسيفيتش حدّثه بشأن التطهير العرقي في كوسوفو مكرّراً ما ورد في نصّ قرار الاتهام الدولي. سأله المدعي العام: «هل يمكنك أن تقول لنا ما قاله ميلوسيفيتش بالتحديد عن ابادة الالبان في كوسوفو؟»، فأجاب: «قال لننته بالتطهير العرقي للالبان أو فلنرمهم خارج الاراضي اليوغوسلافية. وسمعت ذلك أيضاً عن لسان آخرين». تدخل ميلوسيفيتش معترضاً: «ماذا يعني هذا الكلام الفارغ وهو لا يعرف من هم الذين قالوا ذلك؟». وبدل أن يقبل القاضي البريطاني ريتشارد ماي الاعتراض ويطلب من الشاهد تحديد الاشخاص أمام المحكمة، طلب من ميلوسيفيتش تأجيل النظر في هذا الامر، وأمر الشاهد المقنّع بمتابعة افادته «بالطريقة نفسها».
ولدى منحه حقّ الكلام سأل الرئيس اليوغوسلافي السابق «الشاهد» المقنع:
■ «بحسب أقوالك أنا قلت ذلك خلال حفل استقبال عام 1997. قل لي اين كنا واقفين يومها؟ في هذا الحفل أين كنا واقفين؟ أم أننا كنا جالسين؟ كما تشاء، قدم لنا وصفاً.
«الشاهد» تانيتش: المكان هو عبارة عن فيلا في شارع دورا داكوفيكا. وفي الواجهة يقع المدخل الذي يطلّ على حديقة كبيرة وتقع غرفة منفصلة الى اليسار حيث كان ميلوسيفيتش يتناول العشاء بعد انتهاء حفل الاستقبال بحضور اعضاء مقربين من فريق عمله. ولم أكن من بينهم، ولكننا كنا واقفين في مكان بين المدخل وغرفة العشاء التي غطي بابها بستارة كبيرة.
■ ميلوسيفيتش: أنت تدّعي بأنني كنت رئيس صربيا وكنت تدخل الى مكتبي، وقلت في الصفحة الثالثة من افادتك ان مكتبي يقع الى يسار المدخل. هل تعلم ان مكتبي لا يقع الى يسار المدخل؟ فالى يسار المدخل يقع مكتب الحرس والى جانبه المطبخ وقاعة استقبال. مكتبي لا يقع هناك. يقع مكتب الرئيس في الطابق الثاني في آخر الممرّ في الغرفة ما قبل الاخيرة. أنت لم تزر مكتبي أبداً اليس كذلك؟
تانيتش: لا أنا زرته مرتين على الاقل.
■ ميلوسيفيتش: لكنك قلت ان مكتبي يقع الى يسار المدخل والآن أنت تغيّر افادتك. كيف تمكنت من اقناعهم بافادتك...
تانيتش: هذه اهانة قاسية بحقي. لن أقبل بأن يقال لي ذلك. هذه المحكمة ليست حضانة للأطفال حيث يمكنني قول أشياء بدون معنى.
■ ميلوسيفيتش: انت...
القاضي ماي: أوقف النقاش الشخصي. اذا أردت يا سيد ميلوسيفيتش بأن نتابع يجب أن تتوقف وهذا انذار رسمي. اذا استمررت بالطريقة نفسها سأنهي استجوابك للشاهد.
ميلوسيفيتش: لكن...
القاضي ماي: لا تناقش!»
سأل ميلوسيفيتش «الشاهد» المقنّع لاحقاً، خلال الجلسة نفسها، عن ادعائه في افادته الخطية بأنه قاد مفاوضات مع الألبان في كوسوفو نيابة عن الحكومة الصربية:
■ «اذا قالوا لك إن المخابرات كانت ضدّ المفاوضات كيف يمكن أن تأذن لك المخابرات باجراء تلك المفاوضات؟
تانيتش: هذا خطأ مطبعي (في محضر الافادة) هذه الافادة بالانكليزية وهذه الجملة لا معنى لها. وما يتعلق بـ... اه... اه...
■ ميلوسيفيتش: أخطاء مطبعية... أنا أسألك عن أخطاء مطبعية؟
القاضي ماي: هذا ما قاله.
ميلوسيفيتش: قلت الآن إنك لم تقد تلك المفاوضات. وأنت يا سيد ماي قلت أيضاً إنه لم يقل ذلك أبداً. لذلك أطلب...
القاضي ماي: في نصّ افادته لم يقل ذلك.
ميلوسيفيتش: حسناً، القوا نظرة الى السطر الاول من الفقرة التالية في الصفحة نفسها (من محضر افادة الشاهد) يقول فيها إنه كان يتولى المفاوضات السرّية.
القاضي ماي: هذا صحيح.
■ ميلوسيفيتش: ألم يقل ذلك؟
القاضي ماي: دع... دع الشاهد يجيب.
تانيتش: اه... أولاً هذا نصّ مسودة. هذا مختلف عن الافادة التي أدليت بها تحت القسم. لقد حاولت ان أشرح ظروف القضية
للمحققين...
■ ميلوسيفيتش: قلت إنك توليت هذه المفاوضات السرّية. هذه هي افادتك أنا لا أخرج الامور عن سياقها، اليس كذلك؟
القاضي ماي: لقد قدم الشاهد شرحه لذلك فلا جدوى من اعادة السؤال.
ميلوسيفيتش: حسناً. لا جدوى من طرح الاسئلة عندما يقدم الشاهد اجابات متناقضة.
القاضي ماي: هل يمكننا تخطي ذلك لنتابع؟
■ ميلوسيفيتش: حسناً. بأي صفة أُذن لك بالتفاوض؟ كعضو قيادي أو كمبعوث خاص أو كمسؤول في حزب «نوفا ديموكراتيا»؟
تانيتش: اذن اليّ بصفتي مستشار الامين العام لـ «نوفا ديموكراتيا» وعضواً في اللجنة التنفيذية وعضواً في مجلس الحزب.
■ ميلوسيفيتش: حسناً. هل تمانع بأن أعرض هذا المستند على المحكمة؟ وهو عبارة عن طلب انتسابك الى «نوفا ديموكراتيا» ومصدره الحزب نفسه. وفي اعلى المستند جزء خاص بتصنيف العضوية تندرج تحتها ثلاثة احتمالات: الف: مؤسس، باء: عضو، جيم: متعاطف. ووضعت اشارة على الحرف جيم. اذاً انت لست سوى متعاطف لا أكثر. هذا الشاهد اللامع. سأتابع الاستجواب...
القاضي ماي: لحظة سيد ميلوسيفيتش! هذا التعليق لم يكن ضرورياً!
تانيتش: أنا لم اعط انطباعاً خاطئاً عن هويتي. هذه اهانة بحقي.
ميلوسيفيتش: حسناً أسأل القضاة اذا كان على الشاهد الاجابة عن أسئلة بشأن التدريبات التي خضع لها.
القاضي ماي: هو ليس مرغماً الاجابة عن ذلك فهذه قضية تمسّ صدقيته».

تشومسكي: ميلوسيفيتش اتُّهم زوراً
الأكاديمي الأميركي البروفسور نوام تشومسكي أشار خلال مقابلة مع الصحافي الصربي دانيلو مانديتش عام 2006، الى أن القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة بحق الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش، أي اتهامه بارتكاب جرائم ابادة وجرائم ضدّ الانسانية، لا يرتكز الى وقائع. فالتقرير الذي وضعه خبراء هولنديون بعيد وقوع مجزرة سريبرينيتشا نفى مسؤولية الرئيس اليوغوسلافي عما حصل. وشرح تشومسكي أن المحكمة الدولية أرادت ملاحقة ميلوسيفيتش في قضية الجرائم التي وقعت في اقليم كوسوفو، غير أن المدعي العام عدّل القرار الاتهامي بعدما تبين ضعف قيمة الادلة وعدم صدقية بعض الشهود. وتقرّر اتهام ميلوسيفيتش بجرائم وقعت في البوسنة والهرسك وفي كرواتيا اثناء الحرب. لكن، حتى في هذه القضايا، عجز الادعاء عن اثبات مسؤولية الرئيس اليوغوسلافي. توفي الرجل الذي قرر مواجهة ادعاءات الشهود بنفسه، في ظروف غامضة في 11 آذار 2006 وهو في عهدة المحكمة الدولية. وبموجب قرينة البراءة، فإن ميلوسيفيتش بريء حيث ان المحكمة الدولية، أو أي محكمة أخرى، لم تصدر ادانة بحقه لا بارتكاب جرائم في كوسوفو ولا في البوسنة أو في كرواتيا.

فبركة وقائع لتبرير «عملية ملاك الرحـمة»

13 عاماً مرّت على بدء قصف قوات حلف شمال الاطلسي (ناتو) ليوغوسلافيا في عملية عسكرية سميت بـ «عملية ملاك الرحمة». وكانت الذريعة المعلنة آنذاك هي إجبار الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش على وقف «المجازر بحق الالبان» التي حسمت القوى الغربية أنه ارتكبها. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لا تزال تداعيات تلك الحرب جلية. انهارت يوغوسلافيا وانقسمت إلى عدة دول مستقلة، ثم كان إعلان الاستقلال الأحادي الجانب من قبل ألبان كوسوفو. وهو إستقلال دعمه عدد من القوى الغربية التي شاركت في عمليات الناتو عام 1999 ورفضته بلغراد بصورة قاطعة. وتوسع نشاط حلف الناتو بصورة دلّت الى أن هدف العملية العسكرية تجاوز ما تم الإعلان عنه. وما حدث خلال عمليات الناتو التي استمرت 78 يوماً لا يزال محل نقاش وبحث، إذ أن هناك شبهات باستخدام قوات حلف الأطلسي أسلحة محرّمة دوليا أصابت عدداً من المواطنين بأمراض تنتج عادة عن استخدام اليورانيوم والأسلحة الكيميائية.
استدعي «الشاهد» الألباني شكري بويا قائد جيش تحرير كوسوفو، المدعوم من حلف شمال الاطلسي (ناتو)، الى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي مطلع كانون الاول 2005. سأله الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش عن أنواع الاسلحة المستخدمة في منطقة راتشاك اثناء حرب كوسوفو التي وقعت بين عامي 1998 و1999، فأوضح أنها راوحت بين أسلحة خفيفة وأسلحة متوسطة وثقيلة. يذكر أن الاعلام الغربي والاميركي كان قد ادعى وقوع مجزرة بحقّ «مدنيين» في راتشاك واستند الى ذلك من بين امور أخرى، لشنّ هجوم عسكري واسع النطاق تحت راية حلف شمال الاطلسي مستهدفاً الصرب بقيادة ميلوسيفيتش.
■ ميلوسيفيتش: «هذه الافادة (بوجود أسلحة خفيفة اضافة الى أسلحة متوسطة وثقيلة) ترضيني لأن الشاهد بيلي ايلال (قيادي ألباني في جيش تحرير كوسوفو) كان قد أفاد (أمام المحكمة الدولية في وقت سابق) بأن الاسلحة التي كانت بيد الالبان في راتشاك اقتصرت على أسلحة الصيد. سؤالي التالي هو: أنت قلت إنه كان لديك 47 مقاتلاً في راتشاك. اليس كذلك؟
«الشاهد» شكري بويا: نعم هذا صحيح. كان هناك 47 عسكرياً في مواقعهم بالقرب من راتشاك.
القاضي ماي (متوجهاً الى ميلوسيفيتش): هل تريد أن تقول إن الاشخاص الذين قتلوا في راتشاك كانوا جنوداً في جيش تحرير كوسوفو؟
ميلوسيفيتش: حسناً هم يقولون ذلك، فأحدهم يسميهم جنوداً والآخر يسميهم مدنيين.
القاضي ماي: اذا كان هذا اقتراحك فيجب أن توضحه للشاهد. العشرون مدنياً على الاقل كانوا بالواقع جنوداً في جيش تحرير كوسوفو... هل هذا ما تقوله سيد ميلوسيفيتش؟
■ ميلوسيفيتش: اريد أن اعود أولاً الى التقرير الذي استند اليه الجانب الآخر (الادعاء) وهو تقرير الشرطة اليوغوسلافية المرفوع الى قيادتها. يرد في التقرير حرفياً: في الساعة السادسة والنصف في محيط بلدة راتشاك كان هناك اعضاء من المجموعات الارهابية الالبانية. أطلقوا النار من أسلحة اوتوماتيكية ومن قاذفات قنابل، وعندما ردّت الشرطة تراجع الارهابيون الى بلدة راتشاك وتابعوا اطلاق النار من هناك. وتمت تصفية هؤلاء الارهابيين كخيار أخير للشرطة. هل تؤكدون استخدام قاذفات قنابل ضدّ الشرطة؟
شكري بويا: نعم استخدمناها.
■ ميلوسيفيتش: استخدمتم اسلحة بعيار 12.7 ملم اضافة طبعاً الى أسلحة خفيفة.
القاضي ماي: لحظة. (متوجهاً الى شكري بويا) هل صحيح إنكم استخدمتم كذلك المورتر (مدفعية هاون)؟
شكري بويا: أولاً دعني اوضح بأن 41 مدنياً قتلوا في راتشاك وأحدهم... مصير أحدهم ما زال مجهولاً...
ميلوسيفيتش: مـ ...
القاضي ماي: لحظة. هذا التقرير صاغته الشرطة وكان قد طرح هنا لمجرّد التعليق عليه، وأنت (متوجهاً الى ميلوسيفيتش) سألت عن المصادر التي تتعلق بالاسلحة التي قيل انها استخدمت.
شكري بويا: استُخدم قاذف قنابل عيار 500 مم.
ميلوسيفيتش: استُخدمت اسلحة ثقيلة ومورتر بوجه الشرطة التي كانت بطريقها لتوقيف ارهابيين. ويذكر التقرير انه تمت تصفيتهم...
القاضي ماي: هذا كله مجرّد نقاش ومضيعة للوقت. ماذا تريد أن تسأل هذا الشاهد، اذا كانت لديك أسئلة اضافية؟
ميلوسيفيتش: هذا التقرير الرسمي (تقرير الشرطة الصربية) ابرزه الفريق الآخر وليس أنا، ويقول انه لم يقتل أي مدني في هذه الحادثة. وكانت الشرطة قد وصلتها أوامر بعدم اطلاق النار اذا كان هناك مدنيون معرّضين للخطر. يذكر التقرير ان اي مدني لم يقتل وانا اكرر ذلك.
■ القاضي ماي: نعم يمكننا قراءة ذلك. يمكننا قراءة ذلك. لكن هل في التقرير كلمة صادقة؟
شكري بويا: هذا التقرير مفبرك من قبل الشرطة التي جمعته مع باقي التقارير بهدف تشويه الحقيقة عبر الحسم بأن مدنياً لم يقتل.
القاضي ماي (متوجهاً الى ميلوسيفيتش): ما يقوله هو أن هذا التقرير مفبرك. سننتقل الآن الى شأن آخر».
كذب وتزوير القوى الغربية باسم المحكمة الدولية لم يتوقف عند هذا الحدّ بل تجاوزه ليشمل ضغوطات لمنع نشر تقرير علمي وضعه فريق من الخبراء الفنلنديين أثبتوا عدم صحة وقوع مجزرة بحق مدنيين في راتشاك بعد اجرائهم مسحاً شاملاً للمكان وتشريحاً لجثث القتلى. وأعلنت الخبيرة الجنائية الفنلندية هيلينا رينتا في 16 تشرين الاول 2008 (صحيفة «هيلسينغين سانومات» الفنلندية) أنها تعرّضت لضغوطات من قبل وزارة خارجية بلادها ورئيس الفريق الخاص بكوسوفو في المنظمة الاوروبية للتعاون الأمني ويليام واكر لتعديل التقرير بحيث يتمّ التركيز على ارتكاب الصرب مجزرة بحق مدنيين. لكن رينتا رفضت ادخال التعديلات المطلوبة ما أخّر صدور التقرير الفنلندي الى ما بعد وفاة ميلوسيفيتش في 11 آذار 2006.

الموت في عهدة المحكمة
لم يكن الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الانسانية، المتهم الوحيد الذي يموت في ظروف غامضة في السجن قبل صدور الحكم بحقه. فقد سبق موته في 11 آذار 2006، موت المتهم سلافكو دوكمانوفيتش في 29 حزيران 1998، وقيل يومها إنه انتحر بشنق نفسه بواسطة ربطة عنق (كرافات).
أما المتهم ميلان كوفاتشيفيتش فمات يوم 1 آب 1998 خلال وجوده في السجن نفسه حيث مات ميلوسيفيتش ودوكمانوفيتش، أي سجن سخيفنينغن الذي خصص جناح فيه لموقوفي المحاكم الدولية ومنها محكمة يوغوسلافيا والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمحكمة الجنائية الدولية لسييراليون.
في 5 آذار 2006، ستة أيام قبل وفاة ميلوسيفيتش، مات القائد الصربي ميلان بابيتش، الموقوف في السجن نفسه. كما مات المتهم راسيم ديليتش يوم 29 حزيران 2010 في ظروف غامضة قبيل انتهاء حكمه بالسجن لمدة ثلاث سنوات صدر بحقه في 15 ايلول 2008. ومات دوردي دوكيتش في 18 ايار 1996 ومحمد ألاجيتش في 7 آذار 2003 ومومير تاليتش في 28 ايار 2003 قبل صدور الأحكام عن قضاة المحكمة الدولية بحق كل منهم. جميع هؤلاء ماتوا في عهدة المحكمة الدولية وفي سجون تخضع لسلطتها، وبالتالي فان المسؤولية تعود الى تلك المحكمة والقيمين عليها. غير انه لم تتم مساءلة أو محاسبة أي شخص فيها، على رغم تكرار حوادث موت بعض المتهمين بطريقة غامضة. أما المتهمون جانكو بوبيتكو وسيمو درلياتشا وستيبو أليلوفيتش وزلكو رازناتوفيتش ونيكيكا جانجيتش وسلوبودان ميلكوفيتش وغوران بوروفنيكا وجاكو جانييتش ودراغان غاغوفيتش جميعهم ماتوا في ظروف غامضة قبل احالتهم الى سجن المحكمة الدولية في لاهاي.
 
 

كذب الشهود في المحاكـم الدوليّة 1/5

الصورة: الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش في قاعة المحكمة في لاهاي (أرشيف). والصورة ضمن الاطار لوكالة «آي تي ان» (1992)منشورة على غلاف الـ«تايم» بعنوان «سجناء مسلمين في سجون الصرب»، وكانت كافية لاقناع العالم بوجوب ادانة ميلوسيفيتش وآخرين بارتكاب جرائم ضدّ الانسانية شبيهة بجرائم هتلر. غير أن الخبير الالماني توماس دايكمان تمكن من الكشف أن هذه الصورة هي بالحقيقة مفبركة، والاشخاص فيها يعانون من مرض «توبركولوز» منذ صغرهم وأنهم لم يكونوا في معتقل صربي.


«العدالة السياسية» تستدعي شهـود الزور

استعانت لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي انطلق عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد الأخذ بالتقدم الذي احرزته تحقيقاتها (بحسب الفقرة 2 من المادة 19 من الاتفاقية المرفقة بقرار مجلس الامن 1757/2007)، بشهود زور (نشرت اسماءهم وافاداتهم في تقاريرها الى مجلس الأمن) لسجن أشخاص لنحو أربع سنوات تعسّفاً.
لم يخضع المسؤولون عن جريمة الاعتقال التعسّفي للمساءلة أو المحاسبة القضائية، وبالتالي ما الذي يمنع تكرار الاستعانة بشهود زور أمام المحكمة الدولية خصوصاً بعدما تبين أن هذه الظاهرة تكررت في محاكم دولية أخرى؟
ما يميز المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن غيرها من المحاكم الدولية هو ان الادعاء العام فيها سيستفيد من غيابية المحاكمات عبر غياب تدقيق الرجال الاربعة (يرجّح أن يضاف اليهم آخرون) الذين اتهموا بالضلوع في الجريمة في صدقية ادعاءات الشهود. وهل ان مصيرهم، لو حضروا أو أُحضروا الى لاهاي، سيختلف عن مصير الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي كانت قد اتهمته المحكمة الدولية ومات في ظروف غامضة في 11 آذار 2006 بعد تمكنه من فضح بعض شهود الزور علناً؟
تنشر «الأخبار»، في سلسلة من المقالات، هذا أوّلها، عشرات الافادات التي أدلى بها شهود ادعاء في المحاكم الدولية (محاكم يوغوسلافيا وسييراليون ورواندا وتيمور الشرقية)، والتي تدلّ على كذب وافتراء وانتحال صفة واحتيال، بهدف احقاق ما سمّاها المتحدث الرسمي السابق باسم المحكمة الدولية لرواندا كينغسلي موغالو «العدالة السياسية»
إعداد: محرر الشؤون القضائية
نبدأ بعرض استجواب الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش لـ«الشاهد» سلوبودان لازاريفيتش الذي استند المدعي العام الدولي الى أقواله، من بين أقوال آخرين، لاتهام ميلوسيفيتش بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الانسانية. أُحضر لازاريفيتش الى قاعة المحكمة في لاهاي يوم 19 شباط 2003 مدّعياً انه ضابط استخبارات صربي، رفيع المستوى بينما نفى ميلوسيفيتش ذلك قائلاً انه منتحل صفة.
سأله ميلوسيفيتش أمام المحكمة:
■ «انا أسألك يا سيد لازاريفيتش لأن لا أحد يعرفك في أمن الدولة ولا حتى الشخص الذي تدّعي انك كنت بامرته، ويبدو الامر غريباً بالنسبة لي. أنت تصفه (في الافادة الخطية) بأنه أشقر ويبلغ 40 سنة، وتقول انه كان طيباً في تعامله معك. أليس كذلك؟
«الشاهد» لازاريفيتش: هذا ما أقوله.
■ ميلوسيفيتش: هذا ما تقوله. حسناً. هل تعرف لقب هذا الشخص الذي يدعى بييو؟
لازاريفيتش: بييو.
■ ميلوسيفيتش: هل تعرف لقبه؟
لازاريفيتش: كلا، أعرفه بأنه الكولونيل بييوفيتش، ويطلقون عليه اسم بييو.
■ ميلوسيفيتش: بييو لقب الكولونيل بييوفيتش. انت ذكرته مرتين. والآن تكرر ذلك. هل كنت تعلم أن رفاقه كانوا ينادونه بييو تسيغا (أي بييو الغجري بالصربية)؟
لازاريفيتش: من الصعب التصديق بأن الرجل كان له هذا اللقب لأنه ينتقص من مكانته.
■ ميلوسيفيتش: لماذا كان يلقب بذلك؟
لازاريفيتش (متوجهاً الى القاضي بالانكليزية): حضرة القاضي هل لهذا الامر صلة بالموضوع؟
القاضي (البريطاني) ريتشارد ماي: لحظة. دعه يسأل وسنرى.
■ ميلوسيفيتش: قلت بنفسك إنه رجل أشقر الشعر وعمره 40، فهل كنت تعرف أنه حصل على لقبه بسبب سواد شعره وسمار وجهه؟ فهو لم يكن أشقر على الاطلاق وانت لم تره في حياتك. انت أكّدت على وصفه كذلك بينما هو أسمر. انت سمعت به ولا تعرفه. هل كنت يوماً في المكتب السياسي؟
القاضي ماي: لا افهم السؤال سيد ميلوسيفيتش، أعد السؤال.
ميلوسيفيتش: سيد ماي، انه يصف بييوفيتش. الشاهد يصف بييوفيتش بأنه أشقر الشعر بينما كل من يعرفه يعلم بأنه أسمر وشعره أسود. هو اذاً يقول...
القاضي ماي: حسناً لنتوقف هنا.
ميلوسيفيتش: انه...
القاضي ماي: وصلتنا الفكرة... وصلتنا الفكرة. الكولونيل بييوفيتش المعروف ببييو. (متوجهاً الى الشاهد) انت وصفته بشكل خاطئ كما قيل. سيد لازاريفيتش ربما يمكنك أن تتعامل مع ذلك...
لازاريفيتش: حضرة القاضي، ان الشخص الذي عرّف عن نفسه لي في اليوم الاول الذي التقيته هو الكولونيل بييوفيتش المعروف باسم بييو، لكن جميع الضباط، بمن فيهم السيد بييوفيتش، كانوا يحلقون شعرهم بشكل قصير جداً جداً».
لم يتوقف الرئيس اليوغوسلافي السابق، الذي كان قد طلب بأن يتولى الدفاع عن نفسه بنفسه أمام المحكمة (على الرغم من أنه لم يعترف بها كمحكمة شرعية)، عند هذا الجواب الذي يدل الى ان «الشاهد» يجافي الحقيقة، بل تابع استجوابه ليتبين أنه كان قد تقاضى أموالاً من المحكمة الدولية بعدما ادخل برنامج حماية الشهود. سأله ميلوسيفيتش:
■ «أنت قلت بأنك تقوم بهذا العمل (الشهادة أمام المحكمة الدولية) بسبب قناعاتك، لكن تبين لنا الآن أنك تقاضيت مالاً في المقابل. كان دافعك الاساسي هو المال.
لازاريفيتش: هذا غير صحيح سيد ميلوسيفيتش.
■ ميلوسيفيتش: لماذا فعلتها؟
لازاريفيتش: لأنني مقتنع.
■ ميلوسيفيتش: الى أي حد فعلتها بسبب قناعاتك أو مقابل المال؟
لازاريفيتش: (لا جواب).
ميلوسيفيتش: حسناً حسناً سيد لازاريفيتش»...
«شاهد» آخر هو رادومير ماركوفيتش، مدير الاستخبارات اليوغوسلافية ونائب وزير الداخلية السابق. سجنته السلطات الصربية استناداً الى توصية من المحكمة الدولية، وبعد مرور نحو 17 شهراً من الاعتقال في بلغراد أحضر ماركوفيتش الى قاعة المحكمة في لاهاي في 26 تموز 2002. ماركوفيتش كان قد وقّع، أثناء اعتقاله، على نصّ افادة تشير الى أن ميلوسيفيتش أمر بتدمير أدلة تكشف أنه ارتكب جرائم في اقليم كوسوفو. سأله ميلوسيفيتش:
■ «لقد القي القبض عليك فقط بهدف الضغط عليك لتتهمني؟
«الشاهد» ماركوفيتش: نعم لهذا السبب اعتقلوني.
■ ميلوسيفيتش: هل صحيح أنهم وعدوك بحمايتك وبأنهم سيسجنونك وسيحاكمونك اذا لم تقبل باتهامي زوراً؟
ماركوفيتش: لقد شرحوا لي صعوبة وضعي وأعلموني بالعواقب التي يمكن أن تحصل، وكان البديل بأن أشير الى ميلوسيفيتش كمن أمر بهذه الامور التي تؤدي الى معاقبته.
ميلوسيفيتش: هل عرضوا عليك هوية جديدة ومكاناً جديداً للاقامة ومالاً لك ولعائلتك مدى الحياة مقابل اتهامي زوراً؟ هل هذا صحيح؟
ماركوفيتش: هذا صحيح.
■ ميلوسيفيتش: هل كنت تعلم أن في العام 1988 وقّعت الجمعية العمومية للامم المتحدة اعلاناً ضدّ التعذيب بعد موافقة جميع الدول عليها؟ وأن المعاملة التي خضعت لها، اي اخضاعك للضغط وتهديدك بالعقاب، كانت ممنوعة؟
القاضي ماي: لا علاقة لهذا السؤال بالادلة التي قدمها هذا الشاهد هنا. لا علاقة على الاطلاق. هو يوافقك تماماً ويوافق على القضايا التي عرضتها عليه. بالتأكيد لن نقوم بمراجعة ما حصل في يوغوسلافيا لدى اعتقاله.
ميلوسيفيتش: سيد ماي، ان تصرّفات نظام الوصاية في بلغراد متلازمة مع هذه الاتهامات الكاذبة.
القاضي ماي: هذه هي بالتحديد الامور التي لن نأخذها في الاعتبار. هل لديك أسئلة اضافية لهذا الشاهد؟
■ ميلوسيفيتش: هل صحيح أن القانون في بلدك يعاقب على تقديم افادة كاذبة؟
القاضي ماي: هذا السؤال مرفوض. عليك أن تتعامل مع الادلة التي يقدمها. هل تنكر مثلاً... هل تنكر الاجتماع الذي قيل انك حضرته حيث كان هناك حديث عن تطهير الاراضي؟ اذا كنت تنكر يجب ان تعبر عن ذلك...
■ ميلوسيفيتش: سيد ماي، هذا هو السؤال الذي طرحته بالتحديد. هل صحيح ان افادتك بشأن تطهير الاراضي هي من صياغة واشراف الأشخاص أنفسهم الذين ضغطوا عليك وعذّبوك لنحو عام ونصف عام؟
ماركوفيتش: نعم هذا جزء من كلام هؤلاء.
■ ميلوسيفيتش: هل انتجت هذه الافادة من قبل الاشخاص أنفسهم الذين تكلموا معك بشأنها؟
ماركوفيتش: هذا صحيح.
■ ميلوسيفيتش: عادة ما تكون قيادة الاستخبارات في أي بلد بيد الاشخاص الاكثر اطلاعاً. هل كانت بحوزتك، أو هل سمعت أو اطلعت على أي تقرير بشأن أي أمر بطرد الالبان من كوسوفو؟
ماركوفيتش: كلا لم أسمع بأمر كهذا ولم يرد ذلك بأي تقرير. لم يصدر أمر عن أي شخص بطرد الالبان». بعد انتهاء مثول رادومير ماركوفيتش في المحكمة، اعيد الى بلغراد. وبما أنه رفض العرض الذي كان الادعاء قد قدّمه له ورفض بالتالي ضمّه الى برنامج حماية الشهود، حكم عليه بالسجن لمدة سبعة أعوام.

عندما ينتحل المجرم صفة الشاهد

استدعي «الشاهد» المقنّع K41 يوم 6 أيلول 2002 فقدم افادته عبر الفيديو من مدينة بانيالوكا البوسنية. وادعى أنه لا يستطيع النوم منذ مشاركته بقتل 15 مدنياً خلال الحرب، وادعى انه يشهد ضدّ ميلوسيفيتش بسبب ذلك. وعندما سأله ميلوسيفيتش عن سبب عدم حضوره الى مقر المحكمة في لاهاي، وما اذا كانت لديه مشاكل في اوراق السفر انقطع الاتصال. وقبل عودة الاتصال ناشد المدعي العام القاضي «حماية الشاهد» عبر حذف هذا السؤال فوافق القاضي ماي.
ميلوسيفيتش: «سئلت في البداية عن سبب عدم امتلاكك اوراقاً ثبوتية للسفر... (انقطع الاتصال)
القاضي ماي: يمكنك السؤال عن امور اخرى.
ميلوسيفيتش: أنا ادقق في صحة أقوال الشاهد. وبدا لي بوضوح أنه مجرم.
المدعي العام: نطلب حذف كل هذه المعلومات عن الشاهد لأنها قد تساعد في التعريف عنه. كلّ هذا الجانب يجب حذفه من المحضر».
وكان ميلوسيفيتش قد أثبت للمحكمة بأن هذا «الشاهد» المقنّع مطلوب في صربيا بسبب ارتكابه جريمة سرقة وهو فار من العدالة، لذا لا يمكنه السفر لأن ذلك قد يعرضه للاعتقال من قبل السلطات الصربية.
وفي مطلع عام 2003 استدعي الى المحكمة في لاهاي النقيب دراغان فاسيلكوفيتش الذي كان الضابط المسؤول عن الوحدات العسكرية الصربية التي اقتحمت منطقة كرايينا الكرواتية حيث ارتُكبت جرائم ابادة. وكان هدف الادعاء الحصول على اعتراف بأنه ارتكب هذه الجرائم بأمر من الرئيس ميلوسيفيتش.
روى فاسيلكوفيتش بعد ادلائه بافادته أمام المحكمة الدولية في لاهاي: «اتصلوا بي من مكتب المدعي العام يوم اعتقال ميلوسيفيتش وسألوني اذا كنت مستعداً للمساعدة في سوق بعض مجرمي الحرب الى المحكمة». وبعد تبرير المساعدة التي قدمها الى الادعاء قال: «عليّ ان اعترف بأنني كنت قد خططت لاغتيال ميلوسيفيتش (...)». وأضاف: «كنت جالساً مقابل رجل أردت مشاهدته ميتاً...». وعن علاقته بالادعاء قال: «اعطوني ورقة كتب عليها ان كلّ ما أقوله لا يمكن أن يستخدم ضدّي، لكن قلت لنفسي ماذا لو كنت جزّاراً وقلت أنا مجرم حرب وقتلت العديد ولا ادلة على ذلك لأنني أخفيتها ودفنتها بناءً على أوامره (أوامر ميلوسيفيتش) عندها لا يمكنهم استخدام ذلك ضدّي ولكن سيستخدمون افادتي دليلاً ضدّ ميلوسيفيتش».
وكان ميلوسيفيتش قد أعلن أمام المحكمة أنه «اذا اتهمني أي شخص بأي جريمة فلا يمكن أن يُتهم بارتكابها». فاقتصر جواب القاضي ماي على قوله «نعم هذه قضية ذات شأن». وتابعت المحكمة الدولية عملها كالمعتاد. أما دراغان فاسيلكوفيتش فاعترف أمام المحكمة الدولية بأنه كان للصرب في كرايينا جهاز استخبارات وشرطة وجيش خاص بهم. علّق ميلوسيفيتش أمام المحكمة على ذلك مشدداً على أن هذا لا يعني الاستخبارات الصربية المركزية (التي كانت تخضع مباشرة لأوامره)، فأجاب فاسلكوفيتش: «هذا صحيح». لكنه أضاف، خلال مقابلة صحافية أجراها لاحقاً، بأنه يتّهم ميلوسيفيتش بالتقصير تجاه كرايينا: «لم يقم بما كان يفترض أن يقوم به لمساعدة الصرب في كرايينا، لذلك أتمنى أن يُشنق هذا الرجل لكن ليس بسبب ما تتهمه المحكمة بارتكابه». ثم ختم هذا «الشاهد» الذي كان قد استدعاه مكتب المدعي العام لتجريم ميلوسيفيتش معلناً أنه «بريء من الجرائم التي يتهمونه بارتكابها». وادعى فاسيلكوفيتش أن المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة قرّرت حرمانه «المكافأة»، وأعلن أنه «لدى اكتشاف الادعاء بأنني كنت أتحدث عن قوات كرايينا وليس عن الاستخبارات الصربية رفضوا تغطية تكاليف سفري واقامتي في لاهاي خلال عامين... فاذا لم تكن مستعداً أن تكذب لصالحهم (لصالح الادعاء) لن يغطوا التكاليف... ولكن اذا قلت انك مستعد أن تكذب مقابل خمسة ملايين دولار مثلاً فسيدفعون!».
نفت المحكمة الدولية ذلك وأكد المتحدث باسمها كرستيان شارتييه يوم 26 شباط 2003 أن فاسيلكوفيتش تقاضى 2441 دولاراً أميركياً لتغطية نفقات سفره واقامته في لاهاي. ردّ فاسيلكوفيتش بالقول: «أنا أتهمهم بأنهم يقدمون الحماية لمجرمي حرب، وأنا مستعد أن اثبت ذلك أمام أي محكمة في العالم. كيف؟ انهم يأتون بمجرمي حرب ويمنحونهم صفة شهود ويقدمون لهم الحماية. حينها يمكن لهؤلاء أن يعترفوا بأنهم قتلوا عائلات بأكملها وسيبقون محميين».
سافر فاسيلكوفيتش الى استراليا مع عائلته، وفي 2007 سجنته السلطات الاسترالية استناداً الى مذكرة توقيف دولية صادرة عن محكمة كرواتية. طعن محامو فاسيلكوفيتش بالمذكرة أمام المحكمة التي قررت اخلاء سبيله مؤقتاً. وعندما استدعته المحكمة الاسترالية مرة ثانية للنظر بقضيته، لم تجده. وهو يُعدّ اليوم فاراً من وجه العدالة.
أما «الشاهد» المقنّع K2 العضو السابق في الوحدة الخاصة للشرطة فاستدعي الى المحكمة في لاهاي يوم 9 كانون الثاني 2003. سأله ميلوسيفيتش:
■ «في الصفحة الثانية من افادتك المكتوبة تسأل عن الاجراءات المتخذة لضمان الحفاظ على سرية هويتك لأنك تدّعي بأن حياتك بخطر. اليس كذلك؟
K2 : نعم.
(...)
■ ميلوسيفيتش: هل تعتقد أن سبب الخطر على حياتك هو افادتك الى المحققين أو علاقتك باغتيال أركان (مسؤول لمجموعات قتالية صربية اغتيل عام 2000)؟
K2: للسببين معاً.
المدعي العام: ان هذا قد يعرّف عن الشاهد علناً وبالتالي علينا ان نكون حذرين جداً.
القاضي ماي: نعم. نعم سيد ميلوسيفيتش.
ميلوسيفيتش: لم أسمع الجواب.
K2: نعم.
■ ميلوسيفيتش: اذاً السبب هو ضلوعك في اغتيال أركان؟
K2: نعم.
■ ميلوسيفيتش: ولهذا السبب أنت لا تعيش في صربيا وتبقي هويتك سرّية؟
K2: نعم».
اعترف الشاهد K2 بضلوعه في جريمة اغتيال اركان، وبالتالي طلبت المحكمة الجنائية في بلغراد من المحكمة الدولية أن تسلمها اياه لتستجوبه. وجاء جواب الحكمة الدولية في 3 آذار 2003 بأن K2 هو شاهد محميّ مدى الحياة، ولذا لا يمكن أن تستجوبه أي محكمة أخرى.

الرسالة الأخيرة قبل الموت في السجن
«ميلوسيفيتش لم يمت في لاهاي. ميلوسيفيتش قُتل في لاهاي» بحسب رئيس الوزراء الصربي ايفيكا داتشيتش. الرئيس اليوغوسلافي السابق مات صباح 11 آذار 2006 في سجن سخفنينغن، حيث كان سجيناً في الجناح الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وقد وصل عدد «الشهود» الذين سعى الادعاء العام الى الاستناد الى افاداتهم لادانة ميلوسيفيتش الى اكثر من 100 حتى وفاته، لكن اياً منهم لم يتمكن من اثبات أنه أمر قواته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الانسانية (راجع مقال نيل كلارك في عدد 21 آذار 2006 في الغارديان). وكانت المحكمة رفضت طلباً تقدم به ميلوسيفيتش، قبل أيام من وفاته، للحصول على علاج طبي متخصص في عيادة خاصة بأمراض القلب في روسيا. وأكدت تقارير أطباء اسبان وروس وصرب ان موته جاء نتيجة حرمانه العلاج الطبي المناسب. وفي رسالة وجّهها الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل وفاته بأيام قليلة، عزا ميلوسيفيتش سبب رفض المحكمة علاجه بواسطة أطباء روس الى خشيتها من انكشاف «الخطوات المتخذة لتدمير صحتي». وأرفق بالرسالة تقريراً مخبرياً يشير الى ان اطباء المحكمة كانوا يزودون ميلوسيفيتش أدوية لعلاجه من الـ «توبركولوز» بينما لم يكن مصاباً به.


الجنرال كلارك الذي «حرّر» كوسوفو يعود للاستثمار فيها ببلايين الدولارات


محمد م. الأرناؤوط
فيما يعود الحديث عن التدخل العسكري في سورية خارج مجلس الامن، على نمط «السيناريو الكوسوفي»، تحفل الصحف الكوسوفية والصربية بما هو جديد عن دوافع التدخل العسكري الغربي ضد صربيا لاجل كوسوفو في 1999. ومع أن التدخل العسكري الغربي آنذاك من دون تفويض من مجلس الامن، وضع حداً لمأساة ألبان كوسوفو، كما كان الامر مع المسلمين في البوسنة عام 1995، إلا أن هذا لا يحد من نشر المعطيات التي توضح مصالح الغرب في التدخل العسكري هنا وهناك، وهي الحالة المثلى حين تتطابق المصالح الغربية مع حقوق الانسان أو مع حقوق الشعوب في التحرر وتقرير المصير، وهي التي لا تتطابق دائماً في مناطق أخرى في العالم.
كان أحمد داود اوغلو خلال عمله الاكاديمي، نشر عام 2000 كتابه المهم «العمق الإستراتيجي»، الذي يتعرض فيه الى التغيرات الكبيرة في المحيط التركي بعد الحرب الباردة والدور الجديد لحلف «ناتو» الذي يضم تركيا، قد أشار بشكل صريح في موضعين في الكتاب الى أن الهدف الحقيقي للتدخل العسكري ضد صربيا لأجل كوسوفو، كان التخلص من المنظومة الصاروخية التي كانت بحوزة نظام سلوبودان ميلوسيفيتش، وهو ما حدث بالفعل في الحملة التي قادها آنذاك الجنرال ويزلي كلارك القائد العام لقوات حلف «الناتو»، بالقصف المتواصل للمواقع والمنشآت الصربية طيلة 73 يوماً، ودوّن تفاصيلها في مذكراته التي نشرت مؤخراً بالعربية.
ولكن ما حدث في أيام يلتسين لم يعد كذلك في أيام بوتين، الذي سعى الى إنعاش اقتصاد روسيا والتركيز على الاستثمار في الطاقة التي يحتاجها الغرب. ومن هنا تصلبت روسيا في 2006-2007 في مواجهة التوجه الغربي لمنح كوسوفو أي استقلال حتى ولو كان مشروطاً، وفق خطة إهتيساري، حتى ان الرئيس بوتين صرّح في مطلع شباط 2008، أن كوسوفو هي من «الخطوط الحمر» لموسكو، وحذر من مغبة الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي كان يُستعد له في بريشتينا (17 شباط/ فبراير 2008) .
بهذا الموقف المتشدد، ضَمِنَ بوتين لروسيا أفضلية في الاستثمار في الطاقة في صربيا، التي أصبحت مهمة لمرور «خط الغاز الجنوبي» الممتد من روسيا عبر البحر الأسود وبلغاريا وصربيا وصولاً الى ايطاليا، وأصبحت الشركات الروسية بذلك تسيطر حتى مطلع 2008 على 50% من سوق الطاقة في البلقان، الذي أصبح بمثابة جسر روسي الى اوروبا الغربية.
وفي تلك الايام، التي زادت فيها حمى الاهتمام بالطاقة مع قرب الإعلان عن استقلال كوسوفو، كشفت الجريدة البلغرادية المعروفة «داناس» (16 و17 شـباط 2008) عن الحرب الـخفـية التـي كانت تـدور حـول كوســوفـو بـسبـب الـطاقة، فقـد أعلنت الـجـريـدة في المـانـشيـت الرئيس لـها: «كوســوفو تـخــفي في بـاطنها 20 مليار طن من الـفـحم الحجري» بالإضافة الى الـثروات الاخرى، من ذهب وفضة ونيكل، مع الاشارة الى أن مـعـظم احتياط يوغـسـلافيا السـابقة من هـذه الـمـعادن كـان في كوسوفو بالـذات التي لا تشـغل أكـثر من 5% من مساحة يوغوسلافيا!
وقالت الجريدة بالاستناد الى معطيات خبراء أميركيين، إن قيمة الاحتياطي من الفحم الحجري وحده تقدر بـ 500 بليون دولار، وإنه بسبب الظروف المضطربة في يوغوسلافيا السابقة لم يستهلك من هذا الاحتياط سوى 2% فقط. ووفق تقديرات الصحيفة، فإن استقلال كوسوفو عن صربيا سيوجه ضربة قاضية لها، لأن احتياطي صربيا من الفحم لإنتاج الكهرباء سينتهي بعد 35 سنة بينما سيستمر في كوسوفو لعدة قرون.
ولكن الفحم الحجري كان يستخدم أساساً لإنتاج الكهرباء، ولكنه أصبح يثير الانتقاد، لما يسببه من تلوث، ولذلك اتجهت الأبحاث والتقنيات مؤخراً الى إنتاج النفط من الفحم الحجري.
وهنا فاجأت الصحافة الكوسوفية والصربية الرأيَ العام بخبر عودة الجنرال ويزلي كلارك الى كوسوفو ثانية، ولكن هذه المرة على رأس مشروع استثماري ببلايين الدولارت لإنتاج النفط من الفحم الحجري، وليس على رأس قوات عسكرية كما في 1999. وكان الجنرال كلارك بعد تقاعده قد توجه للعمل في مجال الطاقة وأصبح مديراً لشركة «سولو باور» في الولايات المتحدة قبل أن ينضم مؤخراً الى شركة «إنفنيتي» الكندية المعروفة في هذا المجال. وتجدر الإشارة هنا الى ان استخراج النفط من الفحم الحجري قد توصلت اليه ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية نظراً لغناها بالفحم الحجري وصعوبة وصول النفط العادي لها، ثم طُبِّقَ لاحقاً في جنوب أفريقيا، ولكنه لا يصبح مجدياً الا مع ارتفاع أسعار النفط العادي. وميزة هذه المادة (الفحم الحجري) والتقنية الجديدة في كوسوفو، كما يقول البرفسور فلاديمير بافلوفيتش من كلية المعادن والجيولوجيا في جامعة بلغراد، أنها تتيح للمستثمر أن يستخرج أي نوع من النفط يحتاجه لقرن من الزمن على الاقل. وقد قامت شركة «إنفنيتي» بتجربة سابقة في منغوليا حيث استحوذت على مساحة واسعة من الاراضي (780 كيلومتراً) لاستخراج الفحم الحجري وانتاج النفط منه. وكما تقول المصادر المتخصصة، فإن النفط المستخرج من الفحم الحجري يمكن أن يستخدم للطائرات والسيارات وإنتاج الكهرباء وصناعة البلاستيك أيضاً.
وكشفت صحيفة «فيرشتافت سبلات» النمساوية (27/6/2012)، أن كلارك له أفضلية في كوسوفو بحكم علاقته القديمة بهاشم ثاتشي، الذي برز في 1998 ممثلاً لـ «جيش تحرير كوسوفو»، ثم أصبح رئيسا لـ «الحزب الديموقراطي» بعد حل جيش التحرير، ورئيساً للحكومة التي أعلنت الاستقلال في 2008، وهو الآن رئيس الحكومة التي ستمنح كلارك هذا الامتياز «اعترافاً بالجميل» . وتشير المعلومات الى ان كلارك يأمل باستثمار حوالى ستة بلايين دولار في هذا المشروع الذي سيتيح له أن ينتج حوالى مئة ألف برميل نفط في اليوم، وهو ما يأمل أن يكفي حاجات كوسوفو، سواء لاستهلاك السيارات او الطائرات المدنية والعسكرية.
وصودف نشر هذه المعلومات في الصحافة الكوسوفية والصربية والنمساوية مع فوز اليمين القومي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في صربيا، الدولة التي لا تزال في دستورها تعتبر ان «كوسوفو جزء لا يتجزأ من صربيا»، ولذلك فإن الرئيس الحالي توميسلاف نيكوليتش ورئيس الحكومة المكلف ايفيتسا داتشيتش (رئيس «الحزب الاشتراكي الصربي» الذي أسّسه سلوبودان ميلوسيفيتش) قد وجدا نفسيهما في وضع محرج أمام الناخبين. ونشرت جريدة «داناس» (عدد 21/6/2012) ما يفيد بأن صربيا لن تسلّم بذلك وأنها ستحول دون ذلك باللجوء الى المحافل الدولية «للمطالبة بصيانة ممتلكاتها في كوسوفو»! ولكن ذلك للاستهلاك الداخلي فقط، لان الحكومة الكوسوفية كانت قد شكلت هيئة خاصة للخصخصة في 2005 ومنحت امتيازات لمئات الشركات الاجنبية والمحلية لاستثمار المناجم والمصانع والمزارع الواسعة الموروثة من الـحـكـم الـصـربـي- اليوغوـسلافي السابق.

تبرئة كراجيتش من اتهام بالابادة الجماعية

امستردام (رويترز) - برأ قضاة في لاهاي يوم الخميس رادوفان كراجيتش من اتهام بالابادة الجماعية لكنهم أبقوا على 10 إتهامات اخرى تتصل بجرائم حرب والابادة الجماعية موجهة الي زعيم صرب البوسنة السابق.

وقضى القضاة بانه لا توجد أدلة كافية على ان اعمال قتل نفذتها قوات صرب البوسنة في بلدات في الجمهورية اليوغوسلافية السابقة في 1992 ارتكبت بنية الابادة الجماعية.

لكنهم رفضوا طلبات الدفاع لاسقاط 10 إتهامات اخرى تتضمن قتل 8000 مسلم في سربرنيتشا في 1995 في أسوأ مذبحة في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وكراجيتش كان زعيم حكومة صرب البوسنة اثناء الحرب التي عصفت بالبوسنة على مدى ثلاثة اعوام ابتداء من 1992 بعد تفكك يوغوسلافيا.

وفي 1995 وجهت المحكمة الجنائية الدولية بشان يوغوسلافيا السابقة الي كراجيتش إتهامات بجرائم حرب والابادة الجماعية وتم احضاره الي لاهاي بعد ذلك بثلاثة عشر عاما. وبدأت محاكمته في 2009 وتستأنف في وقت لاحق من هذا العام مع بدء مرافعات الدفاع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق